بمزيج من الحماس والخبرة، قام الدكتور ميلود السعيدي، استاذ باحث في علم النفس بجامعة الحسن الثاني -كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية- ، بتقديم محاضرة مثيرة للعقول في الخزانة البلدية بالحي المحمدي الدار البيضاء بتاريخ 12 ماي 2024 التي نظمتها جمعية مرافق للتربية الدامجة. كانت المحاضرة محط اهتمام للطلاب الباحثين، حيث استعرض فيها الأستاذ المحاضر مفهومي السوي والمرضي في علم النفس الإكلينيكي من منظور علم النفس الاجتماعي.
من خلال تحليل موسع ومفصل، أدخل الدكتور السعيدي الحضور إلى عالم التفكير العميق حول العلاقة بين السوي والمرضي، وكيفية تفسيرهما من منظور اجتماعي وثقافي. أسس مدروسة وفلسفات عميقة كانت أساس النقاش، مع التركيز على أهمية عدم فصل المرض عن سياقه الثقافي والاجتماعي.
تطرق الدكتور السعيدي لمقولة Adams "العقل لا يمرض"، مستشهدا بها لتسليط الضوء على أهمية تفاعل العوامل الاجتماعية والثقافية في فهم الصحة النفسية. بينما قد يركز البعض على الأعراض الفردية، أكد الأستاذ ميلود السعيدي على ضرورة التفكير في السياقات الثقافية والاجتماعية عندما يتعلق الأمر باشكالية مفهومي السوي والمرضي .
هذا يعكس توجها مهما في علم النفس الإكلينيكي. بدلا من تصنيف السلوك بمفرده كـ"سوي" أو "مرضي"، يقترح الأستاذ السعيدي أنه يمكن فهم السلوك بشكل أوسع من خلال سياق المواقف والظروف. بالتالي، يجب أن ينظر إلى السلوك الذي يتناسب مع المواقف بشكل أكثر تعقيدا، وقد يتطلب في بعض الأحيان التدخل والتأهيل بدلا من التصنيف المباشر كـ"مرضي". هذا النهج يعكس فهما أكثر شمولية ومرنة للسلوك البشري، مما يمكن أن يؤدي إلى استجابات أكثر فعالية وتأهيلية.
عندما يتم التفكير في مفهوم التناسب، يعتبر السلوك الذي يتناسب مع المواقف الحياتية اليومية كجزء من تجربة الإنسان الطبيعية. فعلى سبيل المثال، الشعور بالحزن أو القلق في مواقف معينة قد يكون رد فعل طبيعي وصحي. ومع ذلك، عندما يستمر هذا الشعور بشكل متكرر أو مكثف بشكل ملحوظ، فقد يشير ذلك إلى وجود مشكلة تحتاج إلى تدخل علاجي طبي
إذا استمرت الحالة النفسية مثل الحزن أو القلق بشكل مفرط ولفترات زمنية طويلة، فإن العلاج الطبي يمكن أن يكون ضروريا لمساعدة الفرد على التعامل مع هذه الحالة بشكل فعال والعودة إلى حياة صحية. هذا التفكير الذي يربط بين التجارب الشخصية والاحتياجات العلاجية يعكس نهجا متوازنا وشاملا في التقدير والتدخل النفسي.
تسليط الضوء على ثقافة الندب يعكس فهما عميقا للتجارب الإنسانية وتعاطيها مع فقدان الأحباء والأشخاص الأعزاء. بالفعل، يعتبر الحداد والندب جزءا من العملية الطبيعية لمواجهة الفقدان وتعبير الحزن على الضحايا.
عندما يتحدث الأستاذ عن أهمية ثقافة الندب، يقدم مثالا واقعيا عن امرأة تندب فقدان شخص عزيز عليها، ويوضح أن سلوكها هو رد فعل طبيعي. يشير هذا المثال إلى أهمية فهم الثقافة والعادات المحلية في تفسير سلوك الأفراد واستجابتهم للمواقف الصعبة.
بمعنى آخر، يبرز الأستاذ السعيدي أن الحداد ليس مجرد مشكلة فردية، بل هو جزء من النمط الثقافي والاجتماعي للتفاعل مع فقدان الأحباء، وهو جزء لا يمكن إغفاله أو تصنيفه بأنه سلوك غير سوي أو مرضي.
يبدو أن محاضرة الأستاذ ميلود السعيدي كانت جاذبة ومثيرة للتفكير، حيث تجاوب مع الأسئلة العميقة والمعقدة التي طرحها الطلبة الباحثين التي كانت تعكس الفضول والاستعداد لاستكشاف مفاهيم عميقة في علم النفس.
بتسليط الضوء على مفهومي السوي والمرضي، قدم الأستاذ السعيدي رؤية شافية ومقنعة حول فهم خلفية الأفراد وسياقاتهم الثقافية والاجتماعية عندما يتعلق الأمر باشكالية مفهومي السوي والمرضي في علم النفس الإكلينيكي من منظور علم النفس الاجتماعي.