حوار مع الدكتورة حكيمة الحجار استاذة علم النفس بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء- كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية- حول موضوع الصدمة النفسية

 






بداية، أود أن أرحب بكم جميعا وأشكر متابعينا على اهتمامهم المستمر بالقضايا النفسية والاجتماعية. يسعدني اليوم أن أستضيف شخصية علمية متميزة، الدكتورة حكيمة الحجار، أستاذة علم النفس بجامعة الحسن الثاني- كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية، والتي لها إسهامات بارزة في دراسة ومعالجة القضايا النفسية المعقدة


أشكرك، دكتورة حكيمة، على قبول دعوة الحوار ومشاركتنا معرفتك وخبرتك القيمة حول موضوع بالغ الأهمية، وهو الصدمة النفسية، خاصة في ظل التحديات النفسية والاجتماعية التي نعيشها اليوم


بصفتي مصطفى توفيق، طالب باحث في علم النفس الإكلينيكي والمرضي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمرتيل، التابعة لجامعة عبد المالك السعدي، ورئيس الاتحاد الدولي للصحافة والإعلام والاتصال، أعتبر هذا اللقاء فرصة ثمينة لإثراء النقاش حول هذا الموضوع البالغ الأهمية، وللتفاعل مع المجتمع الأكاديمي والعام. أهلا وسهلا بكم، دكتورة حكيمة، وسأبدأ حواري معكم بالأسئلة التالية

:

1


 كيف تعرّف الصدمة النفسية من وجهة نظر علم النفس؟


ج/ بداية أشكرك جزيل الشكر للاهتمام بمواضيع علم النفس. بالنسبة للصدمة يمكن القول ان الحياة الإنسانية مليئة بالصدمات بدءا من صدمة الولادة مرورا بصدمة الفطام...الا اننا نستطيع في كثير من الأحيان تجاوز هذه الصدمات لكن تبقى بعض الأحداث يصعب تجاوزها. تعرف الصدمة في علم النفس بأنها تجربة نفسية أو جسدية شديدة أو مهددة للحياة، تتجاوز قدرة الفرد على التحمل، و تؤثر بشكل سلبي على حالته النفسية و الجسدية و العاطفية على المدى القريب أو البعيد. يمكن أن تنتج الصدمة عن احداث مؤلمة مثل الحروب، الكوارث الطبيعية، العنف الجسدي أو النفسي أو فقدان شخص عزيز. و قد تمت الإشارة إليها في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات الذهنية DSM-5 في سياق اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) و غيره من الاضطرابات المرتبطة بالصدمة 


2

ما الفرق بين الصدمة النفسية الحادة والاضطراب ما بعد الصدمة 

(PTSD)

؟


ج/ هناك فروق جوهرية بين الصدمة الحادة و اضطراب ما بعد الصدمة في المدة والشدة وايضا في العلاج الا انه من الممكن ان تتحول الصدمة الحادة الى اضطراب ما بعد الصدمة فالصدمة الحادة تحدث نتيجة التعرض لحدث صادم مفاجئ ومؤلم. في الحوادث الخطيرة (مثل حوادث السيارات) أو الاعتداء الجسدي أو الجنسي أو فقدان شخص عزيز بشكل مفاجئ وقد يتم تجاوزها تجاوزها . أما اضطراب ما بعد الصدمة فيحدث للأفراد الذين قد لا يستطيعون نسيان الحدث الصادم بسرعة ويتكرر تذكرهم له بصورة قد تزعجهم وتزعج المحيطين بهم من أفراد العائلة والأصدقاء وزملاء العمل وينتج عنها أعراض جسمية ونفسية حادة توثر على السير العام للحياة.وقد تستمر هذه الحالة عند البعض لعدة أسابيع وشهور وربما سنوات ولا يستطيع الفرد التخلص منها إلا بمساعدة نفسية 


3

 ما هي أبرز العوامل التي تجعل شخصا ما أكثر عرضة للصدمة مقارنة بالآخرين؟

كلنا في هذه الحياة معرضون الى صدمات مختلفة سواء بسيطة أو شديدة لكن الاستجابة اتجاه الصدمة هي التي تختلف من شخص لآخر بناءً على طبيعة الصدمة، وشدتها، وعمر الشخص، والخلفية النفسية


4

هل هناك ارتباط بين الصدمة النفسية والبيئة الاجتماعية أو الثقافية؟

ج/ أكيد فهناك مناطق تعيش لسنوات تحت القصف وفي حالة  حرب دائم ما يجعل بالنسبة لهم الموت حدث عادي يعيشونه بشكل يومي بينما قد يشكل  حدث الموت صدمة بالنسبة للمناطق الامنة والمستقرة  كذلك الامر بالنسبة للمناطق التي تعيش تقلبات وكوارث قد يكون الامر غير صادم لانهم تعودوا عليه بينما المناطق التي لم تألف هذه التقلبات قد تشكل هذه الأحداث بالنسبة لها صدمات قد يصعب تجاوزها، ويمكن هنا استحضار المفاهيم الكبيرة المرتبطة بالشرف و العيب والحشومة الشمتة ....


5

ما هي أبرز الأعراض التي تشير إلى أن الشخص يعاني من صدمة نفسية؟

ج/ قد يكون من الصعب تشخيص الحالة لأن الأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب قد يكونون مترددين في استدعاء أو مناقشة الصدمة أو أعراضها ألا أنه يمكننا تحديد الأعراض التي تؤثر بشدة والتي تدخل في إطار الاضطراب وتؤثر على سير الحياة  والتي نتم تحديدها في اضطراب ما بعد الصدمة هذه الأعراض يمكن أن تبدأ بعد  أسابيع أو حتى شهور وعند البعض بعد سنوات من الحادثة وعادة ما تظهر في غضون 6 أشهر من ذلك الحدث ومن أهم الأعراض المبدئية التي يعانيها الشخص مثل   الحزن - الاكتئاب - القلق - الشعور بالذنب - الغضب ويجب أن تستمر الأعراض مدة لا تقل عن شهر 


6

هل يمكن أن تظهر أعراض الصدمة النفسية بعد فترة طويلة من الحدث الصادم؟  

ج/ نعم  وهو ما تمت الإشارة إليه  باضطراب ما بعد الصدمة والناتج ضرورة على عدم القدرة على تجاوز الصدمة النفسية ، فقد يكون هناك تأخير في التعبير الحقيقي عن الأعراض لذلك لا يكتمل التشخيص إلا بعد مرور 6 أشهر


7

ما دور الأسرة في التعرف على علامات الصدمة النفسية لدى أفرادها؟

ج/ للأسرة دور كبير في تقديم  الدعم للفرد و مساعدته على تجاوز الصدمة الا أنها في نفس الوقت قد تكون مصدر كل الصدمات النفسية  من خلال سوء المعاملة والاهمال. . ...

تظهر بعض الأعراض عند الأطفال الصغار التي ينبغي التعامل معها بشكل جدي كالعزلة وتغير السلوك والتبول الاإرادي للأطفال وتراجع النتائج الدراسية وغيرها يجب على الأسرة التعامل معها بحذر وعرض الطفل على الأخصائي


8


ما هي الأساليب العلاجية الأكثر فعالية في التعامل مع الصدمة النفسية؟

ج/ ليست كل الصدمات تحتاج لعلاجات و التدخل، 

فبعضها يكون له اثر قوي على تنمية المرونة النفسية وصقل الشخصية، ولا نتحدث عن العلاج الا في حالة اضطراب ما بعد الصدمة   حيث أظهرالعلاج السلوك المعرفي TCC فعالية كبيرة و أيضا  يمكن اعتماد العلاج بإزالة حساسية العين EMDR  فهو فعال فقد أظهر فعاليته في اضطراب ما بعد الصدمة ، هناك أيضا والعلاج الجماعي خاصة في تجاوز صدمة  التشخيص بمرض خطير أو مزمن وأيضا في حالة الصدمات الجماعية كالحروب أو الكوارث كما قد يتم استخدام  تقنيات الاسترخاء و اليوغا للتفريغ الانفعالي  .. ويبقى العلاج معتمدا بالضرورة على التشخيص


9


 هل يمكن أن يكون العلاج النفسي كافيا أم يحتاج المصاب إلى تدخل دوائي؟

ج/ العلاج يرتبط أساسا بالتشخيص و درجة وحدة الأعراض فقبل البدء في التدخل النفسي لابد في بعض الحالات المتقدمة من العلاج الدوائي حتى تستقر الحالة خاصة في حالات الهيجان و الكوابيس الليلية .و محاولات الانتحار

.......


10


كيف يمكن للمعالج النفسي بناء علاقة ثقة مع المفحوص الذي يعاني من الصدمة؟

ج/الثقة ضرورية للتشخيص أولا لان اضطراب ما بعد الصدمة قد لا يشخص من الحصة الأولى  إلا ناذرا أو في الحالات التي يكون فيها الحدث الصادم علنا بشكل كبير كالكوارث او الحرب أو الحوادث الخطيرة, والمعالج النفسي قد تلقى تكوينا علميا وتداريب في هذا الشأن  وفي أخلاقيات العلاج النفسي وفي المقابلة ودراسة الحالة  تمكنه  من بناء علاقة ثقة مع المفحوصبن عامة ومع المفحوص الذي يعاني من الصدمة خاصة

11

 ما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها لتقليل آثار الصدمة النفسية بعد حدوثها مباشرة؟

ج/ عن طريق الدعم النفسي الذي يمكن أن يكون من الأسرة القريبة إليه التي من شأنها أن تخلق مساحة من الامان وتجنب كل ما من شأنه التذكير بالحدث الصادم وهنا أذكر الخطأ الذي كانت ترتكبه الأسر في حالة الاغتصاب حيث يتم تزويج الفتاة بمغتصبها درء للعار  بدل متابعته و منعها من رؤيته يضعونها في حضنه ما يجعلها تعيش الحدث بشكل متكرر  وقد تجاوزه المشرع المغربي وأوجب  المتابعة الجنائية


12


 كيف يمكن توعية المجتمع حول أهمية الصحة النفسية ودعم المصابين بالصدمة؟

ج/ الصحة النفسية  أساسية وشرط للصحة الجسدية لازال هناك  نقص في الوعي وهذا هو دور الجامعة والمجتمع المدني لترسيخ الثقافة السيكولوجية ورفع الوصم عن المرض النفسي وبالنسبة للمجتمع المغربي فلله الحمد مجتمعنا متعاون ومتضامن وهذا ما أبان عنه في زلزال الحوز   


13


هل تعتقدين أن هناك نقصا في الموارد المتاحة لعلاج الصدمة النفسية في المغرب؟

ج/ نعم لازال عدد الخريجين من علم النفس غير كاف  وغير مفعل في إطار غياب الإطار المنظم لمهنة الأخصائي النفسي. صحيح هناك صحوة مجتمعية وطلب كبير على الاخصائي النفسي كشف عنها كوفيد19 و زلزال الحوز لكن بالنسبة لي كأخصائية اكلينيكية هذه الأحداث صادمة وكارثية ماديا وسيكولوجيا  لكنها ابسط لأنها كانت جماعية اما الصدمة الأكثر حدة فهي الفردية أو التي تعيشها مجموعة محددة كحادث سيارة مميت أو الصدمة المتكررة كما في حالة زنى المحارم


14


 ما هي أهم الدراسات أو الأبحاث الحديثة حول الصدمة النفسية التي يمكن الاستفادة منها؟

ج/ الابحاث دوليا متعددة هناك مجلات تصدر أبحاثا بشكل دوري عن الصدمة النفسية فقط ويجب الاستفادة منها والقيام بأبحاث سيكولوجية في البيئة المغربية الغنية ثقافيا خاصة في الجانب الديني وكيفية تعاطيه مع الكوارث بالإيمان بالقضاء والقدر 


15


 هل هناك برامج تدريبية موجهة للمعالجين النفسيين لتحسين مهاراتهم في التعامل مع الصدمات؟

ج/ الأخصائي النفسي مطالب دائما بتجويد الخدمات التي يقدمها وهذا لا يمكن ان يكون الا من خلال الانفتاح على المستجدات في التعامل مع مختلف الحالات وتحسين معلوماته وذلك من خلال الانفتاح على البحث العلمي والاستفادة من تكوينات وتداريب بشكل مستمر

 

16

 كيف يمكن للجامعات المغربية المساهمة في إعداد مختصين في هذا المجال؟

ج/ إن الاحداث التي عرفتها بلادنا مؤخرا سواء جائحة كوفيد 19 او زلزال الحوز كشفت عن الحاجة للأخصائيين النفسانيين وهو ما استجابت له وزارة التعليم العالي وترجمته الجامعة المغربية من خلال فتح شعب علم النفس في عدة جامعات كمراكش مكناس تطوان وأيضا فتح مسالك الماستر وإجازة التميز وحبذا لو كانت هناك تخصصات في الصدمة النفسية في الماستر حيث هناك فراغ كبير 

....


17


 ما هي نصيحتك للأشخاص الذين مروا بتجربة صادمة ويخشون طلب المساعدة؟

الصدمة تغير الشخصية بشكل عام فالفرد قبل الصدمة ليس هو الفرد ما بعد الصدمة، إلا أنني أنصح  بالكتابة حيث يمثل سرد الحدث المؤلم طريقة فعالة بالنسبة لمن يخشون طلب المساعدة أو التحدث  عنها حيث يتم تفريغ الحمولة الانفعالية عن طربقها. وهنا لا أتحدث  عن حالة اضطراب ما بعد الصدمة لانه في بعض الاحيان يكون تطور الاضطراب يستدعي العلاج بالأدوية ومراقبة طبية


18


 ما هي رسالتك للمجتمع الأكاديمي والمتخصصين في مجال الصحة النفسية حول أهمية دراسة الصدمة النفسية؟

ج/ بالنسبة لي يمكن أن تكون الصدمة أصل كل الاضطرابات النفسية الأخرى  كالاكتئاب والقلق  والرهاب و ...والاضطرابات السكوماتية أيضا...لهذا ينبغي التعامل مع الاضطرابات الأخرى بحذر لأنها قد تكون فقط اضطرابات ثانوية ناتجة عن اضطراب الضغط ما بعد الصدمة   و تشير الدراسات  إلى أن 1 من كل 3 تعرضوا لاضطراب ما بعد، هذا الرقم صادم ومثير للقلق حول الصحة العامة .وعليه كأكاديميين  دورنا نشر الوعي من خلال أيام دراسية ولقاءات علمية وندوات وعلى الجامعة أن تنفتح على المجتمع كما أنه علينا تطوير أساليب لتقوية المناعة  وتنمية المرونة النفسية لان العصر الحالي يفرض تقلبات وتحديات مستمرة يجب ان نكون مستعدين لها سيكولوجيا


*****

في ختام هذا الحوار الممتع والمفيد، لا يسعني إلا أن أتوجه بجزيل الشكر والتقدير للدكتورة حكيمة الحجار على وقتها الثمين ومشاركتها لنا خبرتها ومعرفتها العميقة حول موضوع الصدمة النفسية


لقد أضأت لنا الكثير من الجوانب المهمة، سواء على المستوى النظري أو التطبيقي، وساهمت في توعية المتابعين حول هذا الموضوع الحساس الذي يمس حياة العديد من الأشخاص


أشكرك مرة أخرى على قبول دعوة الحوار، وأتمنى لك دوام التوفيق والنجاح في مسيرتك الأكاديمية والمهنية. كما أشكر متابعينا الكرام على اهتمامهم، وأدعوهم للبقاء على تواصل معنا في لقاءات قادمة لمواضيع جديدة ومثرية


الدكتورة حكيمة الحجار 

:

و أنا بدوري أشكرك وأشكر الاتحاد الدولي للصحافة والإعلام والاتصال