القصة الثالثة عشرة "حين تتباطأ الحياة" للمؤلف المصطفى توفيق هي قصة مؤثرة تتناول مرض باركنسون وتأثيره على حياة ليلى، مع تركيز على القوة النفسية والإرادة التي تبديها في مواجهة التحديات التي يفرضها هذا المرض. من خلال القصة، نرى كيف أن ليلى تتعامل مع التغيرات التي تطرأ على جسدها وتدرك أن الحياة ليست دائما عن السرعة أو القدرة البدنية، بل عن كيف نعيش اللحظات الصغيرة والمليئة بالحب والدعم.
1
تحليل القصة
السياق العاطفي والنفسي: المرض الذي تعاني منه ليلى هو مرض باركنسون، الذي يبطئ حركة الشخص بشكل تدريجي ويؤثر على التنسيق العضلي. تصف القصة هذا البطء بشكل رمزي، حيث يتم ربط تباطؤ جسد ليلى بتباطؤ الحياة نفسها. التغيرات التي تظهر في حياتها اليومية، مثل صعوبة التنقل أو الكتابة، تؤثر بشكل كبير على حالتها النفسية. ومع ذلك، نجد أن دعم زوجها سامي يشكل عنصرا رئيسيا في مساعدتها على التكيف مع التحديات، وهو يشجعها دائما على الاستمرار رغم صعوبة الأمور.
2
الرمزية في الحديقة والزهور
الحديقة التي كانت ليلى قد زرعتها في الماضي تمثل رمزا للأمل والاستمرارية. كما أن الزهور التي تنمو رغم المرض تعكس قدرة الإنسان على التكيف مع الظروف الصعبة. وهذا يسلط الضوء على فكرة أن الحياة، رغم تباطؤها أو صعوبتها، لا تزال قادرة على منحنا لحظات من الجمال والسكينة.
3
التمسك بالحياة
على الرغم من البطء الذي فرضه المرض، نجد أن ليلى تبقى متعلقة بالحياة من خلال التفاعل مع ذكرياتها وكتابة تجربتها. الكتابة تمثل وسيلة لها للتعامل مع مشاعرها وتعبيرها عن قوتها الداخلية. هذا يبرز القدرة البشرية على التكيف والتعامل مع الأزمات النفسية.
4
الكتب العلمية والتصنيفات الطبية
أشار المؤلف في القصة "حين تتباطأ الحياة" إلى مرض باركنسون بطريقة تتماشى مع ما يتم تناوله في الكتب العلمية والتصنيفات الطبية مثل
DSM-5
و
ICD-11
، وذلك على الرغم من أن القصة تتناول المرض من منظور سيكولوجي أكثر من كونه تصنيفا دقيقا في الطب النفسي أو العصبي.
1.4
من منظور
ICD-11
التصنيف الدولي للأمراض النسخة 11، يصنف مرض باركنسون كـ "اضطراب تنكسي عصبي"، ويتميز بتدهور الخلايا العصبية المنتجة للدوبامين في المادة السوداء، مما يؤدي إلى مجموعة من الأعراض الحركية مثل الرعاش، و بطء الحركة
Bradykinesia
، و التصلب العضلي
Rigidity
، و فقدان التوازن
Postural instability
. القصة تتضمن هذه الأعراض بشكل واضح، خاصة فيما يتعلق بتباطؤ الحركة وفقدان القدرة على القيام بالأشياء البسيطة مثل الكتابة أو التنقل، وهو ما يظهر في تجربة ليلى.
كما يتماشى وصف الأعراض غير الحركية مثل الاكتئاب و القلق، والتي تعاني منها ليلى، مع ما يشير إليه
ICD-11
من أن المرض يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات نفسية وعاطفية، وهي سمات شائعة في الأشخاص المصابين بمرض باركنسون.
2.4
أما من منظور
DSM-5
(الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية)، والذي يهتم بشكل أكبر بتشخيص الاضطرابات النفسية، فإن مرض باركنسون ليس موضحا بشكل مباشر هنا لأنه ليس اضطرابا نفسيا بحد ذاته، بل هو اضطراب عصبي. ومع ذلك، هناك إشارات إلى الاضطرابات النفسية المصاحبة لهذا المرض في
DSM-5
، مثل الاكتئاب و القلق، حيث يظهر أن مرض باركنسون يمكن أن يتسبب في تطور هذه الحالات النفسية بسبب تأثيره المباشر على الدماغ والنظام العصبي.
المؤلف أشار إلى الاكتئاب و اليأس الذي يعتري ليلى مع تقدم المرض، وهذا يعكس الفهم العلمي للأثر النفسي الذي قد يسببه مرض باركنسون للمصابين به، وهو ما يتماشى مع فئات الاضطرابات النفسية المرتبطة بالأمراض الجسدية كما هو موضح في
DSM-5
.
على الرغم من أن المؤلف لم يتناول مرض باركنسون بشكل علمي بحت، إلا أنه أشار بشكل غير مباشر إلى العديد من الجوانب العلمية لهذا المرض من خلال وصف الأعراض الحركية والنفسية بشكل يتماشى مع التصنيفات الطبية مثل
DSM-5
و
ICD-11.
مقارنة مع أعمال أخرى
5
الأدب العربي والغربي
هناك العديد من الأعمال الأدبية التي تناولت اضطرابات أو أمراضا عقلية وجسدية مشابهة لمرض باركنسون. على سبيل المثال، في الأدب العربي نجد قصة "من سيتذكرني" للكاتبة نوال السعداوي التي تتناول مشاعر الشخص في مواجهة الأمراض المستعصية، وتسلط الضوء على صراع الشخص مع نفسه وكيفية تكيفه مع التغيرات. في الأدب الغربي، نرى أن الكاتب البريطاني كين كيز في روايته الشهيرة
One Flew Over the Cuckoo's Nest
يعرض صراع الأفراد مع اضطرابات نفسية، حيث يواجه الأبطال تحديات داخلية وخارجية تحكم عليهم بطابع حياتهم.
6
الأفلام
هناك أيضا العديد من الأفلام التي تناولت موضوع الأمراض العصبية واضطراب الحركة. على سبيل المثال، في فيلم
The Theory of Everything
الذي يروي قصة حياة عالم الفيزياء ستيفن هوكينغ، يتم التركيز على تحدياته مع مرض التصلب الجانبي الضموري
ALS
وكيف أن دعم العائلة والإيمان بالحياة يساعده على التعايش مع المرض. الفيلم يسلط الضوء على كيفية التكيف مع المرض وفهم الإنسان لقوته الداخلية، مما يتشابه مع ما يظهر في قصة ليلى من خلال دعم سامي لها وتقبلها للتغييرات الجسدية والنفسية.
7
الاستشهاد بالأدب السيكولوجي
عند مقارنة القصة مع الأدب السيكولوجي، يمكن أن نلاحظ التشابه مع مفهوم "المرونة النفسية"
Psychological Resilience
الذي يشير إلى قدرة الشخص على التأقلم مع الأزمات والتحديات. الأدب السيكولوجي يعرض تجارب الأفراد في مواجهة الأمراض أو الصدمات النفسية، وكيفية إعادة بناء الحياة بعد الصدمة. كما أن التركيز على الدعم الاجتماعي، كما ظهر في القصة من خلال سامي، يعد من العناصر المهمة في تعزيز التكيف مع المرض
8
التعايش مع مرض باركنسون
العلاج النفسي والجسدي: تناولت القصة التحديات الجسدية والنفسية التي يواجهها المصاب بمرض باركنسون، لكن أيضا، قدمت نظرة على الحلول الممكنة مثل العلاج النفسي والتمارين البدنية، وهو ما يتماشى مع التوصيات العلمية الحديثة للتعامل مع المرض. يعد العلاج الدوائي والتمارين الجسدية والوظيفية جزءا أساسيا في تحسين جودة الحياة للمصابين بهذا المرض، وهو ما يظهر في حياة ليلى من خلال الدعم العاطفي وتدريباتها البسيطة.
9
الصراع الداخلي والتعايش مع المرض
القصة تبرز كيف أن ليلى لم تستسلم لمرضها، بل استخدمت الكتابة والحديقة كوسائل لتحفيز نفسها على التعايش مع المرض. هذا يُظهر مفهوم "التفاعل الإيجابي" مع المرض، وهو أمر علمي مهم في التفاعل مع الأمراض المزمنة. كما أن القصة تقدم الأمل في أن التكيف مع المرض لا يعني الاستسلام له، بل يعني إيجاد طرق جديدة للعيش بكرامة.
في الختام، قصة "حين تتباطأ الحياة" للمؤلف المصطفى توفيق هي مثال مؤثر على كيفية تأثير مرض باركنسون على حياة الفرد من النواحي الجسدية والنفسية والاجتماعية. من خلال تفاعل ليلى مع المرض ودعم زوجها سامي، نرى كيف أن الحب والصبر يمكن أن يساعدا في التكيف مع التحديات. القصة تفتح الباب لمناقشة أهمية التعايش مع المرض، والتأكيد على أن الحياة ليست مجرد تسارع في الحركة بل هي قدرة على تقدير اللحظات الصغيرة والمهمة.