تحليل ومناقشة القصة الثانية عشرة: "ذاكرة تتلاشى" (ألزهايمر) من كتاب "قصص من أعماق النفس: نافذة على الاضطرابات النفسية والعقلية" للمؤلف المصطفى توفيق

 




تتناول القصة "ذاكرة تتلاشى" معاناة مريم، وهي امرأة بدأت تعاني من مرض الزهايمر، حيث تصف تدهور ذاكرتها وفقدانها التدريجي للقدرة على تذكر الأشياء الأساسية في حياتها اليومية. تبدأ القصة من تلاشي التفاصيل البسيطة مثل أسماء الأشخاص والأماكن، لتتطور الأمور لاحقا إلى فقدانها التام لذكريات الماضي واللحظات العاطفية الهامة، مما يؤدي إلى تأثير عميق على حياتها وحياة من حولها، وخاصة زوجها يوسف الذي يظل بجانبها رغم الصعوبات المتزايدة. القصة تتناول الألم الذي يعيشه المرضى وأسرهم، وتقدم تصورا إنسانيا مؤثرا حول التحديات المرتبطة بتدهور الذاكرة وفقدان الهوية.


التحليل النفسي للمرض:


التشخيص والتطور السريري: مرض الزهايمر هو اضطراب عصبي تنكسي يتسبب في تدهور تدريجي للذاكرة والوظائف العقلية الأخرى، ويظهر في القصة تطور المرض من فقدان الذاكرة البسيطة إلى فقدان القدرة على التعرف على الأشخاص والأماكن. هذا التدهور يتناسب مع أعراض مرض الزهايمر كما هو موصوف في التصنيفات العلمية مثل 

DSM-5 

و

ICD-11 

، حيث يواجه المرضى صعوبة متزايدة في تذكر المعلومات السابقة والقدرة على التفاعل مع محيطهم.


الجانب العاطفي: القصة تسلط الضوء على التفاعل العاطفي بين مريم وزوجها يوسف، الذي يظهر وفاءه الدائم وحبه غير المشروط. هذا يشير إلى أهمية الدعم العاطفي للمرضى في ظل هذا المرض المدمر، وهو ما يعكس دور الأسرة في تخفيف العبء العاطفي وتحقيق نوع من الراحة النفسية للمرضى.



مقارنة مع أعمال أخرى في الأدب العربي والغربي:


في الأدب العربي:


"أيام الإنسان السبعة" للكاتب يوسف إدريس: في هذا العمل، نجد استكشافا لذهنية الإنسان وصراعه مع الحياة والموت، حيث يشبه بعض مشاهد العمل معاناة مريم في القصة، خصوصا عندما تصبح الذكريات محطمة أو مشوشة. تختلف القصة عن "ذاكرة تتلاشى" في أنها تركز على الصراع الشخصي والمجتمعي، بينما تركز "ذاكرة تتلاشى" على التدهور العصبي والتجربة الذاتية للمريض.



في الأدب الغربي:

Still Alice

 للكاتبة ليسا جينوفا: رواية تروي قصة امرأة مصابة بمرض الزهايمر، تماما كما في قصة مريم، حيث يبرز فيها الصراع النفسي الداخلي للمريضة وتدهور حالتها الذهنية. هذه الرواية تتقاطع بشكل كبير مع "ذاكرة تتلاشى"، خاصة في تقديم التجربة الشخصية للمريضة وفقدان هويتها. حيث أن كلتا القصتين تركزان على جانب التأثير العاطفي على المحيطين بالمريض، وكذلك التأثير الداخلي للمريض على نفسه.



في السينما:


فيلم 

The Notebook (2004)

: يركز الفيلم على قصة حب بين رجل وامرأة يواجهان تأثير مرض الزهايمر على علاقتهما. مثل "ذاكرة تتلاشى"، يعرض الفيلم النضال العاطفي والمأساوي الذي يعيشه الزوجان مع تدهور ذاكرة الزوجة. يظهر التشابه في تصوّر الأثر العاطفي للمرض على الزوجين وكيفية محاولة الحفاظ على العلاقات رغم التحديات.



مقارنة الفكرة مع اضطراب الشخصية الحدية (BPD):


بينما تتناول "ذاكرة تتلاشى" مرض الزهايمر وتأثيره على الذاكرة والهوية، نجد أن اضطراب الشخصية الحدية يتعامل مع مشكلة مختلفة تماما في الذاكرة، حيث يعاني الأفراد المصابون بهذا الاضطراب من تقلبات حادة في المزاج وتحديات في الحفاظ على هوية مستقرة وعلاقات اجتماعية صحية. في حين أن مريم في القصة لا تعاني من تقلبات مزاجية حادة، إلا أن القصة تبرز موضوع تلاشي الهوية الذي قد يرتبط في بعض الأحيان باضطرابات مثل اضطراب الشخصية الحدية في سياقات أخرى. بينما في اضطراب الشخصية الحدية، يفقد الأفراد الإحساس بالذات ويعيشون في حالة من الفوضى الداخلية، مرض الزهايمر يسبب تدهورا تدريجيا للعقل والذاكرة، مما يؤثر على التعرف على الذات.


فيالختام، قصة "ذاكرة تتلاشى" للمؤلف المصطفى توفيق تقدم لنا صورة مؤثرة عن معاناة مرض الزهايمر وتأثيره على المريض وأسرته. من خلال تحليل تطور الحالة، يتم الربط بين الأعراض السريرية للمرض والعواقب النفسية والاجتماعية التي يعاني منها المرضى. مقارنة القصة مع أعمال أدبية وسينمائية أخرى تقدم أبعادا إضافية لفهم كيفية تعامل الأدب مع هذا الموضوع الشائك. على الرغم من الفروق في سياقات وعوامل المرض، تبقى الروايات والأفلام التي تتناول التدهور المعرفي والذكري ذات أهمية كبيرة في تعزيز التوعية حول مرض الزهايمر وضرورة الدعم العاطفي المستمر للمريض.