حين جاءني الباحث المصطفى توفيق بنسخة من مسودة كتابه هذا لأرى فيها ما أرى ثم لادبج تصديرا لها، أحسست أنه حملني من أمري عسرا، لأنني توقفت عن كتابة أي تقديم واي تصدير لأي كتاب منذ سنوات خلت، تكاد تصل إلى خمسة وعشرين عاما، ثم تتهاوى لتصل إلى عشرين عاما، وكانت كلها في شرق المغرب، أعني مدينة وجدة، حيث كانت الأولى لكتاب استخرج من بحث جامعي للدكتوراه من جامعة محمد الأول، وكان الثاني كذلك من بحث جامعي للدكتوراه من جامعة باريس، الأول في تاريخ وحضارة المغرب، والثاني في أنثروبولوجيا المغرب، والثالث كان مؤلفا في التربية ولا علاقة له بالبحوث الجامعية الأكاديمية(1). ولقد كلفتني كتابة التقديم لكتابة التصدير عناء وأي عناء؛ فالأمر يتطلب أولا فراغا من أي شغل حتى يتسنى قراءة الكتاب، وفهم مضامينه، واستيعاب اشكاليته ومقصديته، وفهم الهدف منه، قبل المغامرة بأي كلام في حق الكتاب وكاتبه.
والحال، متى يتاح للأستاذ الجامعي الوقت إذا كان من الذين يقرأون باستمرار ويبحثون على الدوام في مجال محدد من مجالات تخصصهم، ليتكرم به على كاتب وكتابه، وواجبات قراءة بحوث الطلبة في الدكتوراه تحاصره من كل جانب، وبحوث الطلبة في الماستر تطارده في كل حين، وبحوث الطلبة في الإجازة لا تترك له الوقت ليفكر في أمور الحياة العادية فبالاحرى أن يزيد أثقالا عن أثقاله ويقبل بقراءة كتب مؤلفين آخرين أو يراجعها أو يقومها أو يكتب عنها
‐—
1 يتعلق الأمر ببحث للأستاذة ماجدة طنجي، تقدمت به لنيل درجة الدكتوراه في الأنثروبولوجيا من جامعة باريس 1 بانثيون، عام 1995، في موضوع: "دراسة لتاريخ السود بالمغرب من بداية دخول الإسلام إلى بداية القرن 18. كانت الباحثة بصدد ترجمة البحث إلى العربية، وكتبت له تصديرا، ولكن الباحثة لم تكمل الترجمة. كما يتعلق التصدير الثاني بمؤلف الدكتور عبد العزيز غوردو الموسوم ب: "الفتح الإسلامي لبلاد المغرب (جدلية التمدين والسلطة)، وجدة، مطبعة الشرق، 2004.
ولقد طبع هذا الكتاب طبعة ثانية إلكترونية، عام 2011 بالكويت، مع اختزال التصدير الذي قدم به الكتاب مقارنة مع نسخة 2004. أنظر: عبد العزيز غوردو، الفتح الإسلامي لبلاد المغرب (جدلية التمدين والسلطة)، دار ناشري النشر الإلكتروني، الكويت 2011م، موافق ل 1432 ه (ص.2). أما التصدير الثالث فهو الذي كتبته لمؤلف حمد الله اجبارة الموسوم ب: " المدرسة المغربية وتحديات العولمة" ، وجدة، مطبعة الشرق، 2006.
ان ما دفعني إلى كتابة هذا التصدير لهذا الكتاب أمور متكاملات:
أولها، أنه باحث بشعبة علم النفس الإكلينيكي. هذه الأخيرة كان عليها أن تنتظر أربعين سنة ونيف لكي ترى النور بعد أن نهج المغرب سياسة اللامركزية واللاتركيز، فأسس عدة كليات ومعاهد جامعية بجهات المملكة ليتزحزح عن مركزية الرباط والدار البيضاء -وفيما بعد فاس- كأقطاب جامعية. ظهرت الجامعة بالجهة الشمالية، ولكنها افتقرت - لو مثلناها بإنسان- إلى العقل وهو الفلسفة التي لم تؤسس شعبة بها إلا بعد ثلاثين سنة من وجودها، وافتقرت إلى النفس وهي السيكولوجيا التي لم تؤسس شعبة بها إلا بعد أربعين سنة ونيف. ولا يمكنني بصفتي أول أستاذ لعلم النفس يعين بشكل رسمي بهذه المؤسسة، أن اظل باردا وجامدا حيال كل مبادرة من شأنها أن ترسخ هذا التأسيس، وأن أسهم فيها بالفعل كتابة وتأليفا ومحاضرات ومداخلات رسمية وغير رسمية، وتشجيع للمدرسين وللطلاب على حد سواء، فأنا أومن بأن الأستاذ ليس موظفا مأجورا فحسب، أو انتهازيا مرتزقا يتصيد فرص الترقية السريعة، ويتربص بإمكانيات احتلال المناصب الإدارية لقضاء مآربه الخاصة فقط، وإنما أومن بأن الأستاذ مثقف للتغيير، ومجاهد مواطن، و سائر على نهج الله ورسوله في أداء أمانة العلم بحق. ولهذا لم أدخر جهدا في الإقلاع بهذه الشعبة الوليدة الفتية. ولأن الباحث المصطفى توفيق قصدني، فإنني جسدت بهذا التصدير مبادئي.
ثانيها، اعتقادي الراسخ بأن الجامعة هي الأستاذ، والكلية هي الباحث، والشعبة هي المحاضر المجدد والمحرر للعقول والنفوس حتى ترتقي وتخدم الوطن من خلال خدمة المواطنين بصدق وتجرد…وكيف يخدم المواطنين لتحقيق رفعة الوطن وعزته من لا يخدم الطلاب، ويخلص في تدريسه ويجسد استاذيته ويترجمها علما ووفاء؟
ولهذا، سعيت إلى خدمة الباحث مؤلف الكتاب، وأن أرمي من خلال ذلك أن أشجع الاجتهادات، وأن أدفع إلى الأمام الأعمال التي تتمتع بالصدق ولا تتبطنها الإنتهازية والوصولية والتلفيقية، مادام الدوام لله، وأن من يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره، والخير والشر في العلم أثقل منهما في أمور الحياة العادية؛ ذلك أن التعليم والصحة والعدل هم القواعد التي ترسى عليها كرامة الأمم، وتقوم عليها حياتها. وحينما يسود الجهل، ويتفشى المرض ويهيمن الظلم، فلا حياة للأفراد وللمجتمعات وللأمم. والمنطلق في كل هذا هو التعليم، هو الأستاذ، فالرسول صلى الله عليه وسلم بعث معلما، والأمم العظيمة إنما ارتقت سلم المجد - بل و الأمجاد - بفضل معلميها، حتى أضحى الحديث عن فضل المعلم تخصصا قائما بذاته في فلسفة التربية. وهذا أمر ليس بالغريب، في تراثنا الإسلامي "العلماء ورثة الأنبياء"، ولأن في الثرات الغربي "المعلم أمة في واحد".(2)، ولهذا فهم يصنعون الإنسان، ويبنون الحاضر، ويزرعون للغد.
—----
2- من بين أهم الكتب التي قاربت هذا المعنى- والذي أكاد أعده، انجيلا للتربية ينبغي أن يتوفر عليه كل مدرس- كتاب: كتاب ايرل بولياس وجيمس يونغ، المسلم أمة في واحد، تعريف إيلي واريل، بيروت، دار الآفاق الجديدة(د.ن). والحق أنه عالج في فصول عديدة سمات وخصائص المدرس، ومنها أنه: مرشد(ص.31)، ومرب (ص.40)، ومجدد (ص.47)، وقدوة ومثل (ص. 55)، وباحث (63)، وناصح أمين (ص.70)، ومبدع وحافز على الإبداع (ص.79)، وأنه متنقل (107)، وقصاص (117)، وممثل (124)، ومخرج (ص.132)، وباني مجتمع (ص.140)، ومواجه الحقيقة (153)، ومحرر(ص.161)، ومقوم (166)، ومنقذ (ص.173)، ومسبب لبلوغ الكمال (ص.182)، وإنسان (ص.188)
الأمر الثالث يتعلق بإشاعة الثقافة النفسية، ودمقرطة المعرفة الإكلينيكية في مجتمعنا بسبب تخلفه عن الركب الغربي في هذا المجال، وتحوله من التقليد إلى الحداثة، ومن الجمود إلى الحركة، ثم لتعرض الفرد فيه إلى ضغوط كثيرة منها سيادة الفردانية، والإنتهازية، والوصولية، وتأزم القيم الاجتماعية والروحية، وتفشي ثقافة الصورة والمؤثرين البلداء المتاجرين بالعواطف والمشاعر، وفقدان المراهقين والشباب للوصلة الموجهة لهم في الحياة، واختزال الحياة ذاتها والنجاح فيها في امتلاك المال، والوصول إلى مناصب السلطة، وضرب قيم الجدارة والاستحقاق والتعاون والإيمان عرض الحائط. أما الإيمان بالله والموت والحساب، فتكاد تكون أمورا منسية. ولهذا لا نفاجأ بظهور الأمراض والاضطرابات النفسية والسلوكية، والإدمان، والانتحار، والطلاق…لاسيما في الجهة الشمالية. ولهذا يصير من اللازم العمل على إشاعة الثقافة النفسية، ودمقرطة المعرفة الإكلينيكية ولو في صورتهما التقليدية. ذلك أنه ظهرت اجتهادات - ومازالت مستمرة في الظهور - في علم النفس الإكلينيكي تتعالى عن التقليد وتغازل المستجدات والجديد. ولعلي أضرب مثلا عنها من الكتاب الجماعي الذي يوسم ب " علم النفس الإكلينيكي في مواجهة الأعراض المعاصرة" (3) فالموضوعات جديدة، والمقاربات طريفة، والفكرة عظيمة، أي العمل الجماعي في البحث الإكلينيكي. والحق أن هذا هو ما ينقصنا، وهو الذي أسعى إليه من خلال تشجيع الطلاب مثل الباحث المصطفى توفيق، وتشجيع المدرسين بتنسيق أعمالهم المشتركة في مؤلف جماعي، لا يتوخى مجرد الظهور في الواجهة، ولكن التراكم في العلم.
—--
3 David Vavassori et Sonia Harrati (Sous direction), La psychologie clinique face aux symptômes contemporains, Paris, Éditions In Press, 2018
من الموضوعات الجديدة والطريفة التي عالجها هذا الكتاب نذكر:
-المقاربة التحليلنفسية الجماعية والأسرية في تكوين علماء النفس الإكلينيكي بالجامعة.
-من راديكالية المراهقين إلى نزعة تجذير الراديكالية.
-عيادة العولمة للتفكير في المشكلات المعاصرة.
-علم النفس الإكلينيكي في مواجهة صعوبة الإنجاب وتقنيات المساعدة الطبية على الإخصاب.
-السياقة العنيفة للسيارة: التعريف والإشراك والاعتناء.
-نظريات المؤامرة: الصيغة المعاصرة والتنشيئية للفكر البارانويي وغيرها من المؤلفات الجديدة.
لم يجانب فرانز كافكا الصواب حينما قال: "إن الكتابة ضرب من الصلاة ". والحق أن القراءة ضرب من العبادة تشرط إخلاصا ووفاء وتجردا ليتجسد قوله تعالى:{ يا يحيى خذ الكتاب بقوة }، وقوله عز من قال: { اقرأ باسم ربك الذي خلق }.
أما الكتابة فهي نوع من أنواع الجروح(4)، ولذلك ليس عبثا أن يعالي الله تعالى، ونبيه الكريم من شأن العلماء وأولي العلم. ومن الكتابة والكتاب، ألم يقل تعالى: {اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم}؟ ألم يقسم تعالى: {ن والقلم وما يسطرون}؟
الكتابة إذن أمانة ومسؤولية وتكليف ثقيل. وحينما تكون الكتابة كتابة على كتابة الآخرين، فالأمر أشد وأدهى وأمر، مادام قد يدخل إليها سوء الفهم، وتنفذ إليها السرعة في التقويم، وتتعالى فيها الأحكام على أعمال الآخرين، وقد يداخلها الغرور فيتصور الكاتب الثاني أنه خير من الكاتب الأول مادام له فضل تقديم كتابة الكتاب الأول.
أما لما تكون الكتابة عن كتاب مغربي في علم النفس الإكلينيكي، وفيما يتصل بالذي جاء به التصنيف الدولي للأمراض، وبشكل خاص تصنيف الاضطرابات النفسية والسلوكية، وبشكل أخص لطلاب علم النفس الإكلينيكي- كجمهور مقصود، ومن خلاله إلى الجمهور الواسع في هذه المدينة الجامعية التي شهدت ميلاد هذه الشعبة، وربما في هذه الجهة، حتى تنفض عنها غبار اللامبالاة إزاء ظواهر الاضطرابات النفسية والسلوكية، والتعاطي للمخدرات بل وإدمانها، والأزمات العاطفية والأسرية التي تنتهي بالهجرة غير الشرعية إلى الضفة الأوروبية، وإلى الانتحار، وإلى العنف بمختلف أشكاله، وإلى الغش في التجارة والمطعمة والفندقة، وإلى الشذوذ…الخ. - تصير- أي هذه الكتابة - ميثاقا شديدا، لا ينفع معه نفوذ المجاملة، ولا حظوة الدبلوماسية في الكلام، لأن عيون النقد مفتوحة على كل إنتاج، ولأن النقد الحق لا يقبل بالكذب المتجمل.
ولهذا أقول، إن كتاب المصطفى توفيق قد فاق كتبا متخصصة في العالم العربي مثل " المختصر في الاضطرابات النفسية" لبديع القشاعلة(5)، ولكنه لم يناظر كتبا قوية لأعلام كبار في العالم العربي مثل "الطب النفسي المعاصر" لأحمد عكاشة (6) ، إلا أنه تميز داخل صنف الكتابات المغربية في هذا التخصص (علم النفس الإكلينيكي) لأنها لم تتصد للموضوع بتفصيل حسب اطلاعنا المحدود(7)، ولكنها تناولته بطريقة جزئية بهذا القدر أو ذاك؛ من هنا أهميته وقيمته.
—-----
4-الأصل في الكتابة أنها فعل كتب الذي يعني خاط فرج الدابة حتى يمنع عنها التغشي وبالتالي الحمل، ولا خياطة من غير جروح وآلام. إن خياطة فرج الدابة يحبس عنها متعة اللذة والشبق وكذلك عن الذي يتغشاها، فيضمن لها السلامة من حمل يشق عليها.
5- على سبيل المثال لا الحصر، نشير هنا إلى كتاب "المختصر في الاضطرابات النفسية" للدكتور بديع القشاعلة، النقب، فلسطين، مركز السيكولوجي للنشر الإلكتروني، 2023 ، والذي لم يتجاوز في مجموعه ثمانين صفحة، مع أنه تناول فيه كل هذه الاضطرابات: القلق العام، الإكتئاب، الوسواس القهري، الهلع، ما بعد الصدمة، ثنائي القطب، الأكل، النوم، الهوية الجنسية، الشخصية الحدية، الشخصية المعادية للمجتمع، الشخصية النرجسية، الشخصية الهستيرية، الفصام، البارانويا، تمرد الشخصية، الرهاب، الفوبيا، اكتئاب ما بعد الولادة، الإدمان، اضطرابات الشيخوخة…ولكن سطحية و تعريفات أولية.
6- على سبيل المثال لا الحصر، نشير إلى مؤلف أحد اعلام الطب النفسي وعلم النفس الإكلينيكي العرب، هو الدكتور أحمد عكاشة الموسوم ب "الطب النفسي المعاصر"، القاهرة، الأنجلو المصرية، ط 4، 2009، والذي تناول فيه موضوعات واسعة شاسعة في مجلد وصل إلى 900 صفحة ونيف، وأهم محاوره وهي: الاضطرابات العصابية المرتبطة بالكرب وجسدية الشكل، الاضطرابات الذهانية، الاضطرابات المزاجية الوجدانية، الاضطرابات العقلية العضوية، الاضطرابات العقلية والسلوكية نتيجة لاستخدام مواد نفسية الفاعلية (الإدمان بأنواعه)، الزلات السلوكية المصحوبة باختلالات وظيفية وعوامل بدنية، الأمراض السيكوسوماتية، الاضطرابات العقلية والسلوكية (اضطرابات الشخصية)، التخلف العقلي (العجز التعليمي)، طب نفس الأطفال، طب نفس المسنين، الصحة النفسية والوقاية في الطب النفسي، الطب النفسي الشرعي.
7- على سبيل المثال مؤلف الدكتور المكي التهامي والدكتور عبد العزيز الغازي، "الاكتئاب-اضطراب نفسي قابل للعلاج"، الدار البيضاء مطبعة ابن سينا، 2005، (ط2)، على الرغم من أن المؤلفين أوردا حالتين اكلينيكيتين للاكتئاب، الأولى حالة اكتئاب سوداوية للطفلة سعيدة (ص ص 57 - 59)، والثانية حالة اكتئاب مقنع عند السيدة كنزة (ص ص 59 - 62). غير أن هذا الكتاب كما سلفت ملاحظتنا ليس بشامل، إنه جزئي ومتخصص في موضوع محدد هو الإكتئاب ليس غير.
نفس الملاحظة لا تنطبق على كتاب الباحث سعيد بحير: "الصحة النفسية واضطراب الشخصية"، الرباط، طوب بريس، 2005، لأنه كما سلفت الإشارة عرض لخمسة اضطرابات هي الخوف وضعف الثقة بالنفس والقلق والاكتئاب والضعف العقلي، وهي إذا كانت أكثر من الاضطرابات التي عالجها المؤلفان السابقان، إلا أنها أقل مما عالجه الباحث المصطفى توفيق في مؤلفه هذا، مع اختلاف أسلوبه عن أسلوب السابقين.
كما أن ما شجعني على كتابة تصدير لهذا الكتاب هو أنه سار على نهج الغربيين في تبسيط الحالات النفسية ووصفها وسرد حكايتها مع المرض أو الاضطراب، ثم تسطير مراحل علاجها…ثم تبعهم في ذلك الباحثون العرب ولكنهم لم يرسخوا هذا النهج ولا السير عليه إلا قليلا.
تحضرني هنا كتابات مصطفى محمود(8)، وسمير عبده (9)، وغيرهم من العرب.
—----
8- كما هو معلوم، إن مصطفى محمود دكتور في الطب، انتقل إلى الاهتمام بعلم النفس العام، واستقر داخل علم النفس الديني، وكتب عدة كتب، لكن الكتاب الذي يهمنا هنا مباشرة هو: "55 مشكلة حب"، القاهرة، دار المعارف بمصر، 1997 (ط 7)، والذي جاء في مقدمته: " بعض الأمراض يشفيها الكلام، مثل أمراض النفس، وعذابات الوجدان، وجراح القلب، وليس الكلام هنا النصائح والعظات…ولكنه كلام الإنسان لنفسه، إفضاؤه، ونجواه، واعترافه بما يؤرقه. الإفضاء، مجرد الإفضاء، والإفشاء، والإعتراف، ولو للورق (...) الدمعة المسكوبة لا تضيع، وإنما هي تفتح نافذة للعاطفة تتنفس منها، والضحكة المريرة تفك ضائقة الروح، و الآهة تفرج على القلب" (ص5).
ثم يضيف مبينا مصدر كتابه هذا: "مع هذه الدموع والضحكات و الآهات تعيش صفحات هذا الكتاب. إنها رسائل مختارة من مئات الاعترافات التي وصلت إلي من قراء عديدين…" (نفس الصفحة).
9- أما سمير عبده، فهو محلل نفسي مطبق، لم يبق في الحدود العامة للنظرية الفرويدية وإنما تجاوزها إلى التطبيق على التاريخ، والعبقرية، والذكاء، والحب والزواج والمرأة، والناس عامة، ورواد علم النفس الحديث خاصة، وعلى غراميات المشاهير. كما مس موضوعات مثيرة مطبقا عليها التحليل النفسي مثل الجريمة والجاسوسية، والانتهازية، والأبراج، والحوادث غير العادية، ولحظات انتظار الموت والجنون. يقول في كتابه "التحليل النفسي للجنون"، القاهرة، دمشق، دار الكتاب العربي، 1991.(ص ص 5- 6): "إذا كانت معظم الحالات والمواضيع التي تناولتها في كتبي النفسية تعلقت بمواضيع تهم القراء من خلال رسائلهم أو كتابات في أبحاث تناولت مسائل من علم النفس، فإن هذا الكتاب يختلف من حيث مضمونه، حيث أن المشاكل المعروضة به جرت مواجهتها في مواضعها (...) ومن خلال كتبي النفسية، حاولت أن انقل الهموم الحياتية للمواطن العربي، لا من حملي كاميرا فوتوغرافية، بل من معايشتي للواقع وانفعالي به ".
وتحضرني كتابات الغربيين الكثيرة، ويمكن أن نذكر من المؤسسين المجددين كارل روجرز(10)، ورونالد لاينغ(11)، ومن الباحثين المعاصرين في علم النفس المرضي والاكلينيكي عدد كبير، احصرهم في إثنين هما: دافيد شاهين(12)؛ وموشي زيدنر بمعية جيرالد ماثيوس(13). وأحصر الموضوعات في واحد ليس أكثر، هو القلق- Anxiété، وإلا فلن يستطيع أحد حصر الدراسات والأبحاث التي بنت محتواها على عرض حالات تتكلم بنفسها أو يكلمها المؤلف.(14)
—----
10- Carl Rogers, la relation d'aide et la psychothérapie, traduit en français par J.P.Zigliare, Paris, ESF éditeur,1994,p.50 et pp 66-79, et p75, et pp 98-99 et pp 102-104 et passiom.
11- Ronald D.Laing, Le Moi Divisé (de la santé mentale à la folie).Traduit de l'anglais par : Claude Elsen, Éditions Stock + Plus, Paris,1979, pp 66-67, et p 72, et p 80, et p 91, et pp 222-224 et autres.
12- د.دافيد.ف شيهان، مرض القلق، ترجمة عزت شعلان، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1988، ص 27 وص 30، وص 34 وغيرها. (هذا الكتاب منهجي وشامل، لكنه كلاسيكي)
13- موشين زيدنر وجيرالد ماثيوس، القلق، ترجمة معتز سيد عبد الله والحسين محمد عبد المنعم، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 2016. على سبيل المثال، ص 21 و ص 149 وما بعدها، والصفحة ص 189 وما بعدها.(هذا الكتاب منهجي هو كذلك، ولكنه أكثر جدة من السابق)
14- لأن الدراسات الغربية في مجال علم النفس الإكلينيكي بمختلف موضوعاته تعتمد على دراسة الحالة، وهي تتوزع بين تلك التي يوردها الباحث كما هي وكما عبرت عن معاناتها، وتلك التي يكلمها هو، ويعبر عن مكنوناتها حسب السياق الذي يبحث فيه. ولهذا اكتفينا بهذه النماذج وبصفحات محددة داخل تلك النماذج لا أكثر.
أستطيع أن أقول إن العوالم الخفية المؤسسة لكتاب المصطفى توفيق و المذكورة في ثنايا هذا الكتاب، أي "قصص من أعماق النفس" من خلال سرد قصص من الواقع، هي تتلاءم ومحتوى ما جاءت به كتب علم النفس الإكلينيكي والمرضي، أو الكتب العامة والتعريفية مثل "رحلة داخل النفس البشرية"(15)
تتلاءم واياها حينما يشتركان في تصنيف الاضطرابات النفسية على نهج كريبلن ومن تبعه من العلماء الذين يشتغلون بشكل مفرد، أو الذين يشتغلون بشكل جماعي ويضمنون كتاباتهم داخل التصنيف الدولي للاضطرابات النفسية والسلوكية، أو تصنيف منظمة الصحة العالمية.
ذلك أن الباحث شطر عمله إلى شطرين كبيرين سمى كل واحد منهما قسما؛ الأول منهما خصص للاضطرابات النفسية وتناول بالحكاية أربعة اضطرابات هي:
1- اضطرابات القلق (و ركز على القلق العام، و الهلع والرهاب الاجتماعي)
2- اضطرابات المزاج (واختص منها الاكتئاب وثنائي القطب)
3- اضطرابات الأكل (وحصرها في فقدان الشهية العصبي والشره المرضي العصبي)
4- واضطرابات الشخصية (واختار منها إثنين هما الشخصية الحدية والشخصية النرجسية)
أما القسم الثاني الذي وسمه بالاضطرابات العقلية، فلقد عالج هو الآخر أربعة اضطرابات هي:
1- الاضطرابات الذهانية (وعالج فيها الفصام وما أسماه ب الاضطراب الوهمي)
2- الاضطرابات العصبية التنكسية أو الانتكاسية (وعالج فيها ألزهايمر وباركسون).
3- اضطرابات النمو العصبي (واختص منها بالمعالجة طيف التوحد وفرط الحركة مع قلة الانتباه)
4- ثم اضطرابات الإدمان (واختار منها إدمان المخدرات وإدمان الألعاب الإلكترونية).
والسؤال الذي يفرض ذاته هنا هو:
—----
15- الدكتور محمد شعلان (إعداد وإشراف)، أنت من الداخل- رحلة داخل النفس البشرية، القاهرة، دار الهلال، 1985. بعد تمهيد نظري عن النفس البشرية والنظريات المختلفة المفسرة لها (ص ص 9-38)، مرإلى علاج اضطرابات الشخصية (ص ص 39-62)، ثم الأمراض النفسية العصابية (ص ص 63-75)، فالأمراض الذهانية (ص ص 77- 106)، ثم اضطرابات وأمراض الشيخوخة (ص ص 107-112)، ثم الطوارئ النفسية، وركز على الانتحار، العنف، والذعر (ص ص 113-120)، ثم الإدمان (ص ص 121-134)، وأخيرا مشكلة التخلف العقلي (ص ص 153-160). وكما هو ملاحظ فإن هناك تقارب بين معالجة المرجع المذكور ومعالجة الباحث المغربي المصطفى توفيق.
هل وفق الباحث في الأسلوب الذي انتهجه في معالجة موضوعه هذا؟
نعم وإلى حد كبير، لأنه لم يكن بدعا من الباحثين، ولأنه سبق إلى ذاك الأسلوب من لدن باحثين أجانب وعرب(16) ومغاربة.
—----
16- لقد سبق وذكرنا الباحث سمير عبده صاحب كتاب التحليل النفسي للجنون والذي قام فيه بدراسة وتحليل خمس وعشرين حالة نفسية في محيط الجنون من خلال متابعتها وزيارتها في مستشفيات عقلية ومصحات نفسية.
ومن المعلوم أن لهذا الباحث مؤلفات أخرى تدخل في هذا النطاق، مثل:
-الحب والزواج: تحليل مائة حالة نفسية،
-المرأة العربية: تحليل مائة حالة نفسية،
-تحليل خمسين حالة نفسية.
17- أما عن الكتابات المغربية، فلا مناص من ذكر العمل الروائي اللامع والمتين للباحثة والاديبة المغربية سعاد الناصر تحت عنوان: "طوق الفقد"، مطبعة الحمامة، تطوان، 2023، والذي تصف فيه مرض ألزهايمر الذي أصاب سيدة كانت مدرسة، بدقة لا متناهية تتساوق والممارسة اليومية التي يبدأ الفرد المريض (هنا الأستاذة) تشعر بالغربة داخل واقعها، ويكاد ينشىا ابناؤه (في حالة الأستاذة، بنتها). ولقد كان الوصف أدق من النوزولوجيا الطب عقلية والتي من شأنها أن تقدم وصفا دقيقا شاملا، لكن هذه الأخيرة تفتقر إلى دراسة فروع العلاج النفسي.
عملت الباحثة والروائية سعاد الناصر على وصف فينومينولوجي لبداية المرض (ص 259 من الرواية طوق الفقد)، وشرحت أعراضه شرحا حيا ديناميا يعلو على الأوصاف التقنية للأعراض الطبية-الاكلينيكية (في ص 264. وص 269, وص 287)، وسلكت دروبا وعرة متشابكة الطرق، في قالب درامي يجمع بين حكي السارد وحوار الشخوص، وتذكر الأحداث والمواقف التي اجتمعت ونسجت مرض ألزهايمر، وفرخت أعباء معاناة الاهتمام بهذا المرض.
ومن المؤسف الا ينفتح الباحثون في علم النفس المرضي والاكلينيكي على الأعمال الرواية التي تصيح بنبض الحياة وهي تصف الأمراض العقلية والاضطرابات النفسية، وما يلزم عنها من صعوبات التكيف الجسدي والتوافق النفسي الاجتماعي. وما أينع ثمار اللقاء بين التحليل الأدبي للاضطرابات، والتحليل السيكولوجي لها.
وهل نجح المؤلف في معالجة الاضطرابات النفسية والعقلية بطريقة أدبية قصصية لا تخالف معطيات علم النفس وعلم الطب؟
لا شك في أنه نجح بنسبة معقولة، لأنه يحتاج إلى إضافة أمراض واضطرابات أخرى حتى لا يظن الطالب والقارىء أن الذي جاء في الكتاب يعد جامعا مانعا على غرار كتب الطب العقلي وكتب علم النفس المرضي والاكلينيكي. فهو كما سلف عالج اضطرابات القلق العام والهلع، والرهاب الاجتماعي. كما عالج الاكتئاب واضطراب ثنائي القطب. وتطرق إلى فقدان الشهية العصبي وما يقابله من شره مرضي عصبي. واختار من اضطرابات الشخصية ما يتعلق بالشخصية الحدية والشخصية النرجسية. وكل هذا فيما اختار أن يسميه الاضطرابات النفسية. وحينما انتقل إلى ما سماه الاضطرابات العقلية، عالج منها الفصام واضطراب الوهم، وألزهايمر وباركنسون. وعالج لدى الأطفال اضطرابين هما طيف التوحد وفرط الحركة مع قلة الانتباه. واختار من بين الإدمان اضطرابين هما إدمان المخدرات وإدمان الألعاب الإلكترونية.
وكما هو معلوم، فليست هذه الاضطرابات هي المذكورة بالحصر في التصنيف الأوروبي للاضطرابات النفسية والسلوكية، أو في التصنيف الأمريكي لها. إنها أكثر من هذه وأشد تفصيلا. لكن عذر الباحث وتعليله هو في اختياره لقصص منتخبة من أعماق النفس وليس لكل القصص، وفي فتحه لنافذة على الاضطرابات النفسية والعقلية - كما يسميها - وليس الباب على مصراعه لكل الاضطرابات النفسية والسلوكية، والا لاستحال هذا الكتاب الصغير حجمه، إلى مجلد ضخم الحجم متشعب الأبواب على غرار التصنيف الدولي أو التصنيف الأمريكي. ومن هذا الذي يستطيع أن يلم به ويقرأه ويحفظه حتى وإن كان من المدرسين الجهابذة في الجامعات، فما حسبك بطلاب تقرر عليهم مواد ووحدات عديدة ومختلفة يجدون أكبر العنت في فهمها واستيعابها وضبطها، فبالأحرى حفظها في الصدور وتخزينها في العقول؟
إن الباحث أراد أن يشيع ذلك التقليد الغربي الذي تسير عليه الدراسات والأبحاث والكتابات التي تروم تيسير علم النفس والعلاج النفسي، وهو عرض الحالات ثم التعليق عليها بتحليلها، وأخيرا معالجتها باقتراح الحلول لها. وفي ظننا، فإن هذا التقليد بهذا الأسلوب هو الذي خلق التصالح بين المواطنين والعلوم السيكولوجية في الغرب، وأتاح لهذه الاخيرة أن تصبح اهتماما يوميا لهم في المجلات وعلى شاشات التلفزيون، وفي عيادات الاستشارة النفسية، وفي الأحاديث اليومية. إنهم استفادوا من الدرس الفرويدي (علم النفس في الحياة اليومية)، ومن دروس المدرسة الإنسانية في الولايات المتحدة، ومن كل النظريات السيكولوجية التي وظفها أصحابها في التواصل بين الناس، وفي التواصل بين الإنسان ونفسه، وفي فهم خلفيات التعامل والسلوك لدى الآخرين، وما مدارس بالو ألطو، والتحليل التبادلي، والبرمجة العصبية اللغوية وغيرها إلا أمثلة على هذا.(18)
ولأجل أن يشيع ذلك التقليد، ما كان يتأتى له أن يكون يبسط بين ثنايا كتابه هذا كل الاضطرابات، وأن يجليها بقصة من القصص، ثم يعلق عليها مبينا العوامل المساهمة فيها. وخاتما باقتراح حل لعلاجها.. (19)
—----
18- من بين المراجع التي تناولت موضوع استفادة علم التواصل ونظرياته التطبيقية من علوم النفس، يمكن أن نذكر مؤلفنا في الموضوع. انظر: عبد الرحيم تمحري، سيكوسويولوجية المنظمات المهنية والإدارية(من فلسفةالشغل الى التواصل البين إنساني)، تطوان، مطبعة تطوان، 2019، ص 257 وما بعدها..
19-يبدو لنا أنه يكاد يستحيل أن يتناول مؤلف واحد كل أصناف الاضطرابات النفسية والعقلية واضطرابات الشخصية وغيرها، لأن الاضطرابات كثيرة ولأن المنظمات الدولية المسؤولة عن تصنيف الأمراض عامة والاضطرابات النفسية خاصة، توفر صفحات عديدة في آخر كل مصنف للإدلاء بها عندما تشترط الظروف ذلك. ويكفي أن نضرب مثلا على ذلك التصنيف الدولي العاشر للاضطرابات النفسية والسلوكية، ترجمة وحدة الطب النفسي بجامعة عين شمس بالقاهرة تحت إشراف د.أحمد عكاشة، منظمة الصحة العالمية، المكتب الإقليمي لشرق المتوسط، 1999، حيث احتل فهرس الأمراض أربعا وخمسين صفحة أي من ص 346 إلى ص 400.
وإذا ضربنا مثلا آخر لباحثين آخرين هما عبد الستار إبراهيم وعبد الله عسكر في كتابهما "علم النفس الإكلينيكي في ميدان الطب النفسي"، القاهرة، مكتبة الانجلو المصرية، 2008(ط4)، حيث خصص ثمان وعشرين صفحة للملحق الأول الذي عنونه ب: تصنيف الاضطرابات العقلية وفق التشخيص الإحصائي الرابع للاضطرابات النفسية للجمعية الأمريكية للطب النفسي DSM-IV ، ص ص 398-400.
ولهذا، ليس من النادر أن تجد باحثا متخصصا في الطب العقلي يختار ثيمات معينة، لاضطرابات محددة، هي التي ينصب عليها التحليل، بينما يترك ثيمات أخرى لاضطرابات أخرى تقع هملا، لأن من غير الممكن تناولها بالتفصيل. وبناء عليه، لم يكن الباحث المصطفى توفيق بدعا من الباحثين في هذا المجال (20).
بعد هذا، ما عسانا نقول عن كتاب الباحث؟ ماهي قيمته المضافة إلى مجال حقل الدراسات السيكولوجية المغربية؟
لا يمكن أن نعد الكتاب من طينة الكتب التعريفية بعلم النفس أو بمجال من مجالاته وميدان من ميادينه، كما لا يمكن أن نعده من طينة البحوث الأكاديمية النظرية أو الميدانية التي ترمي إلى توسيع مجال من مجالات المعرفة في علم النفس، أو توسيع آفاق النظر والتجريب في موضوع من موضوعاته كالتذكر والخيال والإدراك والانتباه والذاكرة والانفعال..وإنما هو مساهمة من المساهمات في علم النفس الإكلينيكي، تعتمد منهج
دراسة الحالة
—----
20-يمكن أن نذكر من الباحثين من العرب كلا من عبد الستار إبراهيم وعبد الله عسكر في مؤلفهما المذكور سابقا، (ص49)، حيث ركزا في تحليلهما فقط على هذه الموضوعات الخمسة الرئيسية من الأمراض النفسية العقلية - وهي التي صنفها كريبلن Kraepelin مبكرا، وتبنى تصنيفه في خطوطه المريضة، جمعية الطب النفسي الأمريكية - :
1- الاعصبة Neuroses
2 - الذهان الوظيفي Functional Psychosis،
3 - الذهان العضوي Organic Psychosis،
4 - اضطرابات الشخصية Personality Disorders،
5 - التخلف العقلي Mental Retardation،
ويمكن أن نذكر من الباحثين المغاربة سعيد بحير الذي اقتصر على إلقاء نظرة على الاضطرابات التالية: الخوف (ص ص 121 - 127)، والاكتئاب (ص ص 127-137)، والضعف العقلي (ص ص 138 - 143). صحيح أن الباحث سعيد بحير قد أورد في علاجه للاضطرابات المذكورة حالات تجسد شرحه العلمي السيكولوجي، إلا أنها لم تكن هي المنطلق كما في دراسة الباحث المصطفى توفيق، بل كانت للتمثيل، لأن بالمثال يتضح المقال. وهكذا جاءت رحلة خالد(118)، وحالة سمير(ص ص 125- 126)، وحالة أحمد(ص137). وكما هو ملاحظ، فإن الخوف هو الاضطراب الوحيد الذي لم يستدل عليه بحالة. أنظر: سعيد بحير، الصحة النفسية واضطرابات الشخصية، الكتاب الثاني، الرباط، طوب بريس، 2005.
دراسة كيفية، دراسة مستقلة، أعني أنها دراسة لا تجمع حالات تحت نفس الاضطراب، ثم تحللها للمقارنة بينها أو لاستخراج خصائصها كعينة تمثيلية ثم انتقاؤها بطريقة عشوائية..وإنما تقتصر على الانطلاق من حالة بعينها، ثم تحليل ما وراء المشاعر والسلوكيات، مثلما فعل المحللون النفسانيون مثل فرويد، و المعالجون النفسانيون الانسانيون (روجرز، ماسلو، ألبورت…)
إنه دشن بكيفية واضحة هذه الطريقة الكيفية في عرض الحالات المضطربة نفسيا، عوض أن تبقى تلك الطريقة حبيسة رفوف مكتبات الكليات داخل بحوث قدمها أصحابها لنيل شهادتي الماستر والدكتوراه فانتهت بانتهاء حصولهم على الشهادتين.
أما المؤلف، فلقد أخرجها إلى العلن، واشاعها بين الجمهور، وأنا آمل أن يطور هذا المنهج تطويرا ويجعل المغاربة يعتادون عليه، ويقرأون الكتب في علم النفس الإكلينيكي وتحليل الشخصية - لا سيما المضطربة منها - ، ويجعلهم يعتادون عليه ويالفونه، ونحقق بذلك التنافس الشريف بين الجامعات والمحطات الإذاعية -لاسيما الخاصة منها- (21)، والتي تتفنن في عرض حالات المواطنين المضطربين ابتداءا من الساعة التاسعة مساء
عيب كبير جدا أن يتقدم الإعلام المسموع في دراسة الحالات وتتأخر الجامعة، وعيب أكبر أن تتنكر الجامعة لرسالتها(22)، وأن يتوارى الباحثون داخلها عاجزين، أو غير مدركين لأهمية تسريح الواقع النفسي عبر دراسة الحالة (24)، وهذا ما حاول المصطفى توفيق تجاوزه.
—----
21- من هذه الإذاعات نذكر:
. ميدي 1 راديو التي تخصص برامج يومية واسبوعية لعرض حالات نفسية وعلاجها،
. ميد راديو التي تخصص برامج يومية وأسبوعية لعرض حالات نسائية وأخرى لعموم المواطنين
. أصوات التي تخصص برامج ليلية لعرض حالات نفسية لعموم المواطنين.
. م.ف.م التي تخصص برامج ليلية لعرض حالات نفسية لعموم المواطنين. وأخرى غيرها.
22- انظر مؤلفنا: "منهجية البحث الجامعي لطلبة الإجازة والماستر والدكتوراه"، تطوان، مطبعة تطوان، 2019، ص ص 9- 32، و ص ص 33- 62.
23- لقد خصصنا في كتابنا "منهجية البحث الجامعي" المذكور فصلا ضمناه داخل ضميمة، عنوانها "أداة المقابلة"، ص ص 225 - 240.
وانظر أيضا في تحليل لغة المقابلة: الدكتور مصطفى حجازي، الفحص النفساني- مبادئ الممارسة النفسانية: تقنياتها، خطواتها وإشكالاتها، بيروت، دار الطليعة، 1979، ص ص 105-153
المراجع العربية والمعربة
1- إبراهيم عبد الستار وعبد الله عسكر، علم النفس الإكلينيكي في ميدان الطب النفسي، القاهرة، مكتبة انجلو المصرية، 2008 (ط 4)
2- التصنيف الدولي للأمراض - تصنيف الاضطرابات النفسية والسلوكية، ترجمة إلى العربية: وحدة الطب النفسي بكلية الطب، جامعة عين شمس، القاهرة (بإشراف د.أحمد عكاشة)، النسخة 10، 1999
3- التهامي المكي وعبد العزيز الغازي، الإكتئاب- اضطراب نفسي قابل للعلاج، الدار البيضاء، مطبعة ابن سينا، 2005 (ط2)
4- القشاعلة بديع، المختصر في الاضطرابات النفسية، النقيب (فلسطين)، مركز السيكولوجي للنشر الإلكتروني، 2023.
5- بحير سعيد، الصحة النفسية واضطراب الشخصية، الرباط، طوب بريس، 2005
6- بولياس ايرل وجيمس يونغ، المعلم أمة في واحد، تعريب إيلي واريل، بيروت، دار الآفاق الجديدة، (د.ت)
7- تمحري عبد الرحيم، منهجية البحث الجامعي لطلبة الإجازة والماستر والدكتوراه، تطوان، مطبعة تطوان، 2019.
8- حجازي مصطفى، الفحص النفساني- مبادئ الممارسة النفسانية: تقنياتها، خطواتها وإشكالاتها، بيروت، دار الطليعة، 1979
9- زيدنر موشي وجيرالد ماثيوس، القلق، ترجمة معتز سيد عبد الله، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 2016
10- شاهين دافيد.ف، مرض القلق، ترجمة عزت شعلان، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1988
11- شعلان محمد (إعداد وإشراف)، أنت من الداخل- رحلة داخل النفس البشرية، القاهرة، دار الهلال، 1985
12- عبده سمير، التحليل النفسي للجنون، القاهرة، دمشق، دار الكتاب العربي، 1991
13- عكاشة أحمد، الطب النفسي المعاصر، القاهرة، الأنجلو مصرية، 2009(ط4)
14- محمود مصطفى، 55 مشكلة حب، القاهرة، دار المعارف بمصر، 1997 (ط7)
Bibliographie
1- Laing Ronald D., Le moi divisé (de la santé mentale à la folie), traduits de l'anglais par: Claude Elsen, Éditions Stock + Plus, Paris, 1979.
2- Rogers Carl, la relation d'aide et la psychothérapie, Traduit en français par J.P.Zigliare, Paris, ESF Éditions, 1994
3- Vavassori David et Sonia Harrati (Sous direction), La psychologie clinique face aux symptômes contemporains, Paris, Éditions In Press, 2018