تشخيص الاضطرابات النفسية والعقلية بواسطة الذكاء الاصطناعي: ثورة في عالم الصحة النفسية

 



في السنوات الأخيرة، أحدث الذكاء الاصطناعي تحولا كبيرا في مختلف مجالات الحياة، ولم يكن ميدان الصحة النفسية والعقلية استثناء. فبفضل تطور الخوارزميات وتقنيات التعلم الآلي

Machine Learning

، بات من الممكن استخدام الذكاء الاصطناعي في تشخيص الاضطرابات النفسية والعقلية بشكل أكثر دقة وسرعة، ما يفتح آفاقا واعدة لتقديم الرعاية النفسية المناسبة في وقت مبكر.


الذكاء الاصطناعي كأداة للتشخيص المبكر


يعمل الذكاء الاصطناعي من خلال تحليل كميات ضخمة من البيانات السريرية والنفسية والسلوكية، مثل نتائج الاختبارات النفسية، وتاريخ المريض، والأنماط الكلامية، وتعبيرات الوجه، وحتى طريقة الكتابة أو استخدام الهاتف الذكي. ومن خلال هذه التحليلات، يمكن للأنظمة الذكية التنبؤ باحتمالية الإصابة باضطرابات مثل الاكتئاب، واضطراب القلق العام، واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، والفصام، وحتى التوحد.


أمثلة توضيحية:


1

 تشخيص الاكتئاب من خلال تحليل الصوت

طورت شركات تكنولوجيا الصحة تطبيقات تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل نبرة الصوت والكلمات المستخدمة أثناء المحادثة. فعلى سبيل المثال، إذا لاحظ النظام بطئا في الكلام، أو استخداما متكررا لكلمات سلبية، فقد يصدر تنبيها بوجود أعراض اكتئاب محتملة.


2

 الكشف عن التوحد باستخدام الذكاء الاصطناعي

في دراسة أجرتها جامعة ستانفورد، تم استخدام كاميرات مزودة بخوارزميات ذكاء اصطناعي لتحليل تعابير وجوه الأطفال وتفاعلهم الاجتماعي أثناء اللعب. وقد تمكن النظام من التمييز بين الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد وغيرهم بنسبة دقة عالية.


3

 تطبيقات الهواتف الذكية لمراقبة الحالة النفسية

تعتمد بعض التطبيقات مثل 

Woebot

 و

Wysa

 على الذكاء الاصطناعي لتقديم محادثات شبيهة بالعلاج السلوكي المعرفي 

CBT

، وتقييم الحالة المزاجية للمستخدم بشكل يومي، مع تقديم توصيات ومساعدات نفسية آنية، وأحيانا اقتراح اللجوء إلى مختص إذا لزم الأمر.


4

 تحليل النصوص على وسائل التواصل الاجتماعي

يمكن للذكاء الاصطناعي رصد التغيرات في أنماط كتابة المستخدمين على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل استخدام كلمات تعبر عن الوحدة أو الانتحار، وإرسال تنبيهات للجهات المختصة أو المقربين لاتخاذ التدخل المناسب.



التحديات الأخلاقية والطبية


رغم الإمكانيات المذهلة، يثير استخدام الذكاء الاصطناعي في تشخيص الاضطرابات النفسية عددا من التساؤلات الأخلاقية، مثل الخصوصية، وسرية البيانات، ودقة التشخيص، وإمكانية استبدال المعالج البشري. لذا، يؤكد المختصون أن هذه التقنيات يجب أن تكون مساعدة لا بديلة عن التقييم السريري الذي يقوم به الطبيب أو الأخصائي النفسي.





في الختام، يمثل الذكاء الاصطناعي إضافة نوعية لمجال الطب النفسي، إذ يعزز من فرص التشخيص المبكر والتدخل الفعال، لا سيما في المجتمعات التي تعاني من نقص في الكوادر النفسية. ومع ذلك، يجب استخدام هذه الأدوات بحذر وتحت إشراف متخصصين لضمان سلامة المرضى واحترام خصوصيتهم. إن المستقبل يحمل الكثير من الوعود، لكن مسؤولية الاستخدام الأخلاقي تبقى في يد الإنسان.